أيتها " الأنا" تنّحي قليلاً حتى نمرّ بسلام!
لطالما تحدثت الفلسفة والنظريات عن الأنا الذاتية ومخاطرها وتأثيرها على المحيط، فهي باتت مدّمرة للذات وللعلاقات الإجتماعية في آنٍ معاً، وقد زادت الحالات في ظل إنتشار العلم والمعرفة حيث أصبح البعض يفكر إنه إذا الله أنعم عليه بميزة العلم ونال شهادة يحق له أن يصنف نفسه وأنه يتميز بالرفعةِ عن الآخرين، والبعض الآخر يمارس هذه العقدة بعيداً عن تحصيله العلمي والأكاديمي، إلا أنهم بقدرة قادر ترفعوا مناصبياً نفوذياً ثرواتياً من حيث لا ندري فنراهم ينعمون بثقة علماء الذرّة والفضاء والكون معاً.
إذ تقدم هذه المصطلحات وصفاً للعلاقات الديناميكية بين الوعي
واللاوعي، فالأنا "غالباً ما تكون واعية"، تتعامل مع الواقع الخارجي،
والأنا العليا "واعية جزئياً"، وهي الوعي أو المحاكمة الأخلاقية
الداخلية، في حين تمثل الهو "اللاوعي"، وهي مخزن الرغبات والغرائز اللاواعية
والدوافع المكبوتة.
وبهذا تُصبح مهمة "الأنا " شاقة ودقيقة، فيجب على الإنسان مراعاة التوازن بين الأنا والهو والأنا العليا، حتى يحقق حالة من السلام الداخلي.
في وجود " الأنا" وتعظيمها يعني عملية إلغاء للآخر حيث وتتشكل حالة وهمية زائفة من " الذاتية" حيث لا يرى سوى أفكاره ومعتقداته وإحتياجاته وما يناسبه بشكل شخصي ، ضارباً بعرض الحائط رأي وجود الآخر وما يمثله من رأي، وكأن الكون توقف عنده. فتراه يفتعل المشاكل ويبدو سلبياً دائماً، يمارس العناد في كل شيء ، يعاني من عدم القدرة على التواصل مع المحيط لأنه يخاف ان يُرفض معتمداً بذلك على إعتزازه إما في النسب أو اللقب، وأحياناً يتستر وراء التحصيل العلمي والنفوذ كما سبق وذكرنا ،أو قد لا يكون شيء يذكر ولذلك أحاط نفسه بهذه العقدة بهدف لفت النظر.
الأسباب التي تكمن وراء تكاثر هذه الأرواح المكّبلة في هذا العالم المادي ولا سيما في ظل سعة إنتشار مواقع التواصل الإجتماعي الذي عزز وصول عشاق " الأنا " إلى أكبر عدد من المصفقين والمهللين لفرض نفسهم بكثرة نشر صورهم والتحدث عن انفسهم وتضخيم إنجازاتهم وتعداد مناصبهم كي يحظوا بنظرة إعجاب ويسعون لكسب مزيد من الألقاب سواء في العالم الإفتراضي او في المجالس عبر الحضور الشخصي بالمناسبات التي غالباً ما يتقصدون حضورها، كل ذلك يعود في الدرجة الأولى إلى التربية المنزلية حيث يستبيح الأهل في تلقين الطفل بإنه الأفضل وهو نوع من الإفراط في دعم الأطفال لأنه يكبر على أنه الأفضل ولا أحد أفضل منه وهنا تبدا المعركة الحقيقية لأنه يرفض تقبل الآخر.
من جهة أُخرى يساهم المجتمع من تقليل شأن البعض فيصبح صاحب" الأنا" يفعل اي شيء ليفرض نفسه بطريقة غير لائقة فتراه يدمر نفسه ويدمر العلاقات من حوله لينتهي به المطاف وحيد أفكاره ومعتقداته وسلوكياته التي ينفر منها الجميع وتعيق التقدم إذا في حال كان بموقع المسؤولية.
كيف يتخلص صاحب" الأنا " العالية من هذه العقدة:
- يكفي أن يقتنع أن هذا الكون فيه مليارات من البشر وأن الكون لا يتوقف عليه وعلى رأيه عليه أن يتقبل غيره ويحترمهم ويكون بذلك السلوك متبادلاً ، كما عليه أن لا يسعى للفوز دوماً ..ولابأس ببعض الفشل حيث تكون تجربة يعود بها أقوى من ذي قبل. وهنا دعوة للأهل لمعرفة كيفية التحدث مع أطفالهم وما يزرعون من افكار لأن كل ذلك سينعكس عليهم مستقبلياً وهذا لن يكون مبشر خير وإلى لما كُتبت عشرات الأبحاث تطرح هذه الإشكالية التي باتت ملّحة لعلاجها في ظل التوترات التي يعيشها العالم .
- لا يمكن ممارسة مفاضلة النفس على حساب الغير لأن الجميع وُجد بعظمة من الخالق ولا أحد يمكن إلغاء الآخر لمجرد إنه يشكل تهديداً حسب معتقداته، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون دائماً على صواب والسعي لصنع صورة وسمعة بيضاء لإرضاء المجتمع، فلو كنا ملائكة فماذا نفعل بين البشر؟
- الكف عن الشعور بالإستياء دوماً، فالإنسان سيمر برحلة منتهية الصلاحية يوماً ما والجميع يعلم ان الوداع سيحصل عاجلاً أم آجلاً ومع ذلك نستمر في التشبت في " الأنا" وممارستها بدرجة عالية إلى حد الأذية بحق الآخر دون أن نحسب حساب ..."أن هذا العالم يتسع للجميع وما على " الأنا" سوى التنحي قليلاً حنى نمرّ بسلام!